وقفة تحليليّة , ونظرة نقديّة لقصة

( وردة في مواجهة الريح )

للشاعر: ناصر عليثه المحياوي الجهني

بقلم :  يوسف ابداح  .

استهلّ الكاتب قصته بذكر الصحراء الواسعة والمترامية الأطراف , والتي تسابق العرب في وصفها  , والفخر بمعرفة طرقها التي تُضلُّ بها السبُل , وتُجهل فيها المعالم , فالداخل فيها مفقود , والخارج منها مولود .

إن الصحراءَ باتساعها , وامتداد أطرافها , وخلوها من الوهاد والجبال , لَتبعث في عابرها الحيطة والحذر , ووجوب التدبّر والتفكير, غير أنه لا يحب الإقامة فيها طويلاً  .

صفحاتها ملتهبة , وأرضها مُقفرة , فالكل هناك يتوق للمغادرة , ويملُّ الانتظار فيها , فحالالمكان لا يشجّع على البقاءِ , بل ويدعو إلى الإسراع في الرحيل  , حتى العصافير هاجرت تبحث عن الأشجار الوارفة , والفراشات الجميلة تبحث عن الأمطار وزهر الربيع , والبلابل تبحث عن بلاد تستمتع فيها لعزف أنغامها , حتى الحجارة خرجتْ عن صمتها , فبان أنينها , وعَمُق شكواها من جدب المكان , ووهج الشمس , وحرّ الرمال  .

لقد تنقّل الكاتب بنا عَبْر دروب الصحراء , فأبدى شجاعة فائقة بمعرفة مسالكها , مُبدياً اعتزازه  بانتمائه للبادية , ولسان حاله يقول :

( أهل مكة أدرى بِشِعابها )  .

كان الأديب ماهراً وهو يتنقّل بين أساليب الكلام ومفردات اللغة , يجيد اختيارها بمهارة ودراية, فكانت طوع يراعه , وترجمان قلبه ولسانه , فتراه كالنحلة تحطُّ على زهراتها , فتأخذ منها رحيقها , لتصنع منه أطيب غذاءٍ وأشفى دواء  .

فهذا قلب الصحراءِ يحتضن وردة جميلة , تأخذ بالألباب لحسنها وجمالها  .

إنها تقف صامدة  شامخة وهي تواجه حرارة الشمس ولهيب الرمال , ولا تفكّر في الهروب والمغادرة كغيرها  .

كم من المغادرين مرّوا بها  !

لم تُطق العصافير والفراشات والبلابل البقاء في أماكن سئمتها فيها حجارتها …

وقفت الوردة الجميلة ….

وقفت بعزّتها وكرامتها …

بصبرها وشموخها الذي طال مداه  , في مواجهة العاصفة وهبوب الرياح …

وقفت لتقول لقلب الصحراءِ مُعاتبة :

ألم يعد لكَ يا قلبُ بي حاجة ؟

أم أصابك الملل ؟

وهنا … يتقدم القلب نحوها فارساً يمتطي صهوة جواده الأصيل , ليتوسّل إليها , أنْ يكون الهائم بها , والمُوله  بعشقها , وأن يكون فارسها المدلّل …

وتعانق القلب مع الوردة الجميلة في أجمل لوحةٍ من الحبّ والوفاء , امتزجتْ فيه دموع الفرح بالضحكات العالية , لتزهر الأرض  من حولهما أُقحواناً وخُزامى …

لقد أصبحت الصحراءُ ربيعاً دون حاجة لحبّات المطر , فكفاها الحبّ والوفاءُ سُقيا دون غَمام  ,وكفاها صِدقُ العِناق , وطُهر اللقاءِ حُسناً وجمالاً ..

لقد نقلنا الكاتب معه في رحلة إلى الصحراء , لنعيشَ معَ قلبها ووردتها الجميلة بأُسلوب مُحكم الصياغة , متين البُنية , سهل الألفاظ , لم نحتج معه إلى طول عناءٍ للوصول إلى مرمى معانيه.

كانت أفكاره مُنتظمة , وعباراته مُنتقاة باهتمام وعناية , فجعل من كلّ ذلك سلاحاً له , ليجعلَنا نواصل معه الرحلة بهمّةٍ وعزيمة , دون مَلَلٍ ولا وَهَن , وقد ازددْنا للصحراءِ عشقاً , وبالرمال وصمود الوردة إعجاباً   …