بقلم : يوسف فايز ابداح .
هند بنت أَبي أُمية بن المغيرة المخزوميّة , مِن أَعلى النساءِ مكانةً , عُرفتْ برجاحة العقل
وسلامة الرأْي والمنطق والتفكير .
كانت من السابقات في الإِسلام , ولم يسبقها إِلا خديجة , وأُم أَيمن الحبشية , وأُم الفضل زوجة
العبّاس بن عبدالمطلب .
والدها زيدُ الراكب , مِنْ أَجواد العرب الذين ضُرب فيهم المثل بالكرمِ والسّخاء , فكان من كرماءِ قريش , وأَنداهم كفًّا , وأَكثرهم عطاءً , وقد تأَثرت هند بنت أَبي أُميّة بهذه البيئة الكريمة , الخصبة بالمآثر وطيب الفضائل , ومن شابهَ أَباهُ فما ظَلَم .
عُرف عمُّها الوليد بن المغيرة المخزوميّ بالعزّ والمجد والشرف , وابن عمها خالد بن الوليد
بالفروسيّة والشجاعة , وأَخوها في الرّضاعة عمّار بن ياسر بالصَّبر وقوة الإِيمان .
كان زوجها أبو سلمة عبدالله بن عبدالأَسد المخزوميّ , أَخًا للرسول صلّى الله عليه وسلّم من الرّضاعة وتِرْبه , وابن عمته بَرّة بنت عبدالمطلب , ومن السابقين الأَوائل للإِسلام , والمشهود له بالشجاعة والإقدام .
هاجرتْ أُم سلمة وزوجُها هجرتَهما الأُولى إِلى الحبشة , وكانت هجرة خلاصٍ من الظلم , وهجرة تبليغٍ ونشرٍ للدعوة المُحمديّة بالحوارالصادق والمُقنع الذي تولّاهُ جعفر بن أَبي طالب ,
رضي الله عنه .
كانتْ أُم سلمة صادقةَ الحديث , بليغةَ التعبير , فصيحةَ اللسان , بل أَنَّ حديثَها عن الهجرة
إِلى الحبشة , يُعدُّ مصدرًا رئيسًا من مصادر بداية السِّيرة النبويّة .
عادتْ وزوجها إلى مكة المُكرمة , وقد غلبهما الشوقُ إِليها , ولكنهما لم يسلما من إِيذاءِ المشركين , فهاجر أَبو سلمة إِلى يثرب عَلَنًا بعد مشقّة , ولحقتْ به أُمُّ سلمة وابنُها بعد طول عَناء .
شارك أَبو سلمة في غزوة بدر, وفي غزوة أُحد , حيث أُصيب بِرمْيةِ سهمٍ وجُرحٍ نازفٍ
التأَم على غير بُرءٍ وشفاء .
عقد له الرسول صلّى الله عليه وسلّم لواءَ سَريّةٍ قوامُها مئةٌ وخمسون رجلًا من المُهاجرين
والأَنصار , فيهم أَبوعبيدة وسعد بن أَبي وقّاص , لملاقاة بني أَسد في ديارهم ومُباغتتهم ,
فأَبلى وصحبُهُ بلاءً حسَنًا , وعادوا للمدينة المنورة بعد غياب شهرٍ مُتوَّجين بالنصر, ولكنّ
أَبا سلمة كان مُنهكًا من جُرحه النازف في أُحُد , والذي لم يلتئم بَعد .
استقبلتْه أُمُّ سلمة والتي أَحبته حُبًّا عظيمًا , واعتنتْ به , وعادهُ الرسول صلّى الله عليه وسلّم ,
فأَلفاهُ يجودُ بأَنفاسه الأَخيرة وهو يدعو : اللهمَّ اخلفني في أَهلي بخير .
قَضى أَبو سَلَمة نَحْبَه , وانتقل إِلى جوار ربّه , فقالت أُم سَلَمة :
لا حولَ ولا قوّة إِلا بالله , اللهمَّ آجِرْني في مُصيبتي , وعوّضني خيرًا منها .
ثمّ ردّدتْ في نفسها : ومَنْ لي مثل أَبي سَلَمة ؟
تقدَّم أَبو بكر الصدّيق لخطبتها , فردتْه في رِفق , ثمّ تقدَّم إِليها عمر بن الخطّاب فردتهُ بحجّة أَنها مُسِنّة وذاتُ عِيال .
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطبها , ففرحتْ , وغمر السّرورُ نفسَها , وملأَ الرّضى قلبَها , فستنال شرفًا عظيمًا , ومقامًا كريمًا , وتغدو أُمًا للمؤمنين , و بعثتْ إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقولها :
مرحبًا برسول الله , ولكني امرأَةٌ غَيْرى , ومُسِنّة , وإِني مُصْبِية , وليس لي أَحدٌ مِن أَوليائي
شاهِدًا .
بعث إِليها رسولُ الله بأَنه سيدعو لها أَنْ يُذْهِبَ غيرتَها , وأَنَّ سِنَّهُ أَكبرُ مِنْ سِنّها , وأَنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ سيكفيها صِبيانها , وهم على الله ورسولِه , وأَما أَولياؤُها , فسيرضَوْن به زوجًا
لها , وعند ذلك قالت لابنها : زوّجْ رسولَ الله , فزوّجَها .
عاشتْ أُمّ سلمة في كَنَفِ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عِيشةً هانئة , ملأَتْ حياته وبيته بِشرًا وسعادة , وعمِلتْ على طاعة الله ورضى رسولِه , فتمتّعتْ عنده بمكانةٍ رفيعة , وأَصبحتْ
مِنْ أَهل البيت , تحظى بالفضلِ والشرفِ وطِيب المُقام .
( إِنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكم الرِّجْسَ أَهلَ البيت ويُطهِّرَكم تَطهيرًا ) .
عُرفتْ أُمّ سلمة بفصاحة القول الذي كَسِبتْه من قراءَة القرآن الكريم وكلام النبوّة , وقد أُثِر عنها
قَرْضُ الشعر , كما روتْ العديدَ من الأحاديث النبويّة بلغتْ ثلاثَ مئةٍ وثمانيةً وسبعين حديثًا .
تُوفيتْ أُمُّ سلمة في عهد يزيد بن أَبي سُفيان سنةَ إِحدى وستين للهجرة عن عمرٍ ناهز الثمانين عامًا , فكانت آخرَ مَنْ مات مِن أُمهات المؤْمنين رضوان الله عليهنّ .
رحمَ الله أُمَّ المؤْمنين أُم سَلَمَة رحمةً واسعه , وأَسكنها الفردوس الأَعلى في الجنة , فقد كانتْ
امرأَةً راويةً وعالِمة , فصيحة بليغةً , فقيهة وأَديبة .
Leave A Comment