من الذاكرة (أ. حسن التل)

بقلم : يوسف ابداح 

من الذاكرة ……
لا أدري ..
لماذا تعود بي الذاكرة لعام ١٩٦٣ م ؟
يوم كنت طالباً على مقاعد الدرس في ثانوية اربد للبنين ،
ذلك الصرح العلمي الكبير الذي احتضن الكثير من أبنائه ،
وخرّج العديد من رجالات هذا الوطن وقادته ؟
كان ذلك العام حافلاً بالأحداث السياسية ونشاط الأحزاب ..
ورغم أنني لم أنتمِ إلى واحد منها ، إلا أنني كنت وزملائي عظيمي الانتماء لهذا الوطن والذود عنه ، وشاركنا في مظاهرات ( أحداث السموع ) مطالبين بالتسليح والتجنيد ،
وكنا على ثقافة واسعة بعدم التمادي أو التخريب …
كم أوصانا مدير المدرسة ، الوالد والمربي أ/ واصف الصليبي
( رحمه الله ) بالعقلانية ، وعدم الانجراف مع العديد من
التيارات التي لا تريد الخير والأمن لهذا الوطن ! كان رجلاً حكيماً وتربوياً من الدرجة الأولى ،
ولا يستطيع أحد المزايدة عليه في وطنيته !

دخل أ حسن التل -رحمه الله – الصف ، ليُجري اختباراً في
مادة التربية الإسلامية ، وكان رحمه الله يجريه مشافهة ،
وأظنه لا يحب مداعبة الأوراق كثيراً ،وربما كان له
فيها مآرب أخرى …
سألني سؤالاً لا أذكره فأجبت :
لقد كان أجدادنا العرب ….
وقبل أن أكمل الإجابة قاطعني بصوت عال وقال :
اخرس ..!!
فوجئت برده وأسلوبه ، وعجب زملائي من ذلك أيضاً ،فقلت :
ولِمَ يا أستاذ ؟؟
قال : كان الأوْلى بك أن تقول :
لقد كان أجدادنا المسلمون …
عندها … تذكرت أن أستاذي ينتمي لجماعة إخوان المسلمين ..
ترددت في الرد وصمتّ قليلاً ثم قلت :
يا أستاذ :
لقد كنا عرباً جاهليين ، فأُطلق علينا :
العرب الجاهليون
منّ الله علينا بالإسلام فأسلمنا ، فأُطلق علينا :
العرب المسلمون .
كانت كلمة العرب سباقة على كلمة المسلمين …
كنا عرباً ، وما زلنا عرباً ، وسنظلّ عرباً إلى أن تقوم الساعة ،
ثم عدت إلى مقعدي مما أثار غضبه ، وتكلم كلاماً قاسياً يريد
استفزازي ، ولكنني لم أنبس ببنت شفة …
فقد علمنا الآباء احترام المعلم وإن كان على خطأ …
وما فكرت بالخروج عن اللياقة والأدب مهما كان العقاب
مُراً وقاسياً …
أقسمَ رحمه الله على رسوبي وعدم نجاحي في المادة …
انتهت الحصة …
خرج الأستاذ وهو يستشيط غضباً ..
تجمع الأصدقاء حولي بين مستنكر ومستغرب ،
وبين مهنيء لي بالسلامة والنجاة من العقاب ،
فقد كان رحمه الله قويّ البنية ، عريض المنكبين ، وضخم الجسم !!!
عاتبتهم لصمتهم وعدم التدخل – ولو بعد انتهاء الحصة –
وكان منهم :
معالي وزير الداخلية : نايف سعود القاضي
العميد الركن : زهير غرايبة
العميد : سمير كنعان .
العقيد : محمد انصير
العقيد : عبدالرحمن العُمري
المذيع القدير : ابراهيم الحوري
العقيد : محمد الوقفي
المشرف التربوي : أحمد الصفدي
الخبير في الأراضي : غازي الشطناوي
أ: سليمان عبيدات
أ : محمد عبدالرحمن الزعبي
أ: محمد حلاوة
أ: عطا ملك

وعند عرض الأمر على رائد الصف أ باسم سماوي ،
رفض التدخل بحجة أنه مسيحي ، وأن تدخله سيزيد الطين بِلّة !
رحم الله أستاذي حسن التل رحمة واسعه
وجزاه الله خيراً …
وتحية إلى جميع زملائي الذين ذكرتهم ..
فقد توانوْا عن نُصرتي ،ولم يشفع لي سوى الاستعانة بالله ثم صمتي بعزة وكرامة ..