بقلم : يوسف فايز ابداح .
زينبُ بنتُ جحش بن رَباب بن يَعْمُر , وتُكنّى أُمّ الحَكَم .
وُلدَتْ في مكة المُكرمة قبل الهجرة النبويّة بثلاثٍ وثلاثين سنة .
سيّدةٌ ملَكَت الشرف والمجدَ من أَطرافهما , فأُمها أُميمة بنتُ عبدالمطلب , وخالها سيّد الشهداءِ حمزة بن عبدالمطلب , وأَخوها عبدُالله بن جحش , حاملُ أَول لواءٍ عقده الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم لحرب المشركين , وقيل أَنهُ أَولُ من سنَّ الخُمُسَ من الغنيمةِ للنبيِّ قبل أَنْ يُعرضَ الخُمُس ثمّ نزل قوله تعالى :
( واعلموا أَنما غنمتُم من شيءٍ فأَن لله خُمُسَه وللرسولِ ولذي القُربى واليتامى والمساكين
وابن السّبيل إنْ كنتم آمنتم بالله وما أَنزلْنا على عَبْدنا يومَ الفُرقان يومَ التقى الجمعان والله على كُلِّ شيءٍ قدير ) .
نشأتْ في بيت عِزٍّ وشرَف , فقد كانت ذاتَ حسَب ونسَب , ومِنْ أَشراف قُريش .
أَسلمتْ زينب بنت جحش وبايَعَتْ , وقيل أَنها كانت من المُهاجرات إلى الحبشة ثم عادتْ إٍلى
مكة المُكرّمة – وإِنْ لم يثبتْ ذلك – ولكنها كانت من المُهاجرات الأُوَل إِلى يثرب بعد هجرة
النبيِّ إِليها .
تقدّم لخطبتها رجالٌ كثيرون مِن قُريش , فأَرسلتْ إلى النبيّ تستشيرُه , فاختار لها حِبَّهُ , مولاهُ ومُتَبنّاه زيد بن حارثة , فقالتْ :
أَنا ابنةُ عمّتك يا رسولَ الله , فلا أَرضاهُ لنفسي , ورفَضَه أَخوها عبدُالله , فزيدٌ لا يُدانيها في
الشرَف والمكانة , فنزل قوله تعالى عِتابًا لها ولأَخيها عبدالله :
( وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللهُ ورسولُه أَمرًا أَنْ يكونَ لهم الخِيرةُ مِنْ أَمرِهم ) .
رضيتْ زينبُ بذلك , وجعلَتْ أَمرَها للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم , فزوَّجَها لِحِبّهِ زيد بن حارثة, فقد أَراد اللهُ أَنْ يقضيَ على عادةٍ من عادات الجاهليّة , والتفاخُر بالأَحساب والأَنساب , وتفريقها بينَ الناس بسبب الشرف المزعوم , وكان هذا الزواجُ مثالاً لتحطيم الفوارق الطّبقيّة الموروثة
قبل الإِسلام .
مكثتْ زينبُ عند زيدٍ سنةً أَو ما يزيد قليلًا , حيث وقع بينهما الخِلاف , فهمَّ زيدٌ بتطليقها , وشكاها إِلى الرسول , فردَّ عليه قائلًا :
أَمْسِكْ عليكَ زوجَك , واتّقِ الله .
وشكاها ثانيةً , وأَطلعَ الرسولَ على ما عندهُ منها من النفور وعدم القبول , فأَذن لهُ في طلاقها,
فلا يجتمعُ التعالي والعظَمَةُ من طَرَف , والعِزّةُ والإِباءُ من الطرَفِ الآخر .
بعد طلاق زينب من زيد بن حارثة , وانقضاءِ عِدَّتها , نزل قولُه تعالى :
( وإِذْ تقولُ للذي أَنعم اللهُ عليه وأَنعمْتَ عليه أَمسِكْ عليكَ زوجَك واتَّقِ اللهَ وتُخفي في نفسكَ
ما الله مُبْديهِ وتخشى الناسَ واللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخشاهُ فلمّا قضى زيدٌ منها وَطَرًا زوجْناكَها
لكي لا يكون على المؤْمنين مِنْ حَرَجٍ في أَزواجِ أَدْعِيائهِم إِذا قَضَوْا مِنهُنَّ وَطَرًا وكان أَمرُ اللهِ مفعولًا) . الأحزاب 37
فكانتْ تلك الآية تشريعًا يسمحُ بزواج الرجل مِنْ طليقةِ مُتبنّاه .
تزوَّجَ الرسولُ صلّى اللهُ عليه وسلّم من زينب في السنةِ الخامسةِ من الهجرة بعدَ زواجه من أمّ سَلَمة بأَمرٍ مِن الله لِحكمةٍ بالغة , وهي إِبطالُ بِدعةِ التبنّي التي كانتْ شائعةً في الجاهلية ,
وما كان اللهُ لِيُقرَّهُمْ على باطل .
تكلَّمَ المُنافقون وقالوا :
حَرَّمَ محمدٌ نساءَ الولد , وقد تزوّجَ امرأَة ابنه .
فنزلَ الوحيُ بقولهِ تعالى :
(ما كانَ محمدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكم ولكنْ رسولَ الله وخاتَمَ النبيين وكانَ اللهُ بكلِّ شيءٍ عليمًا).
وقولُهُ تَعالى :
( ادعوهم لآبائهِم هو أَقْسَطُ عِنْدَ الله, فَإِنْ لمْ تَعلموا آباءَهُم فَإِخوانُكم في الدّينِ ومَواليكُم , وليسَ عليكم جُناحٌ فيما أَخطأْتم به , ولكنْ ما تعمَّدَتْ قلوبُكُم , وكانَ اللهُ غَفُورًا رَحيمًا ) .
رافَقَتْ زينبُ النبيَّ في غزوةِ الطائف وغزوةِ خيبر , وكانتْ معهُ في حجّةِ الوَداع .
عُرِفَتْ بزُهدِها في الدُّنيا , وحُبّها العظيم للخير والمساكين ,فلم تترك وراءَها بعد موتها درهمًا ولا دينارًا , كما رَوَتْ عن النبيِّ طائفةً من الأحاديث .
لَزِمَتْ بيتَها بعد وفاة الرسول صلّى اللهُ عليه وسلَّم , ولم تَحُجّ بعدهُ إِلى أَنْ تُوفيتْ سنةَ عشرين
من الهجرة , فكانتْ أولَ نساءِ النبيِّ لَحاقًا به .
صلّى عليها الخليفةُ عمرُ بن الخطّاب , ودُفنتْ في البقيع .
رضيَ اللهُ عنها , وجعَلَها في عِباده المُتّقين , ونَفَعَنا بسيرتها وسيرةِ أُمهاتِ المُؤْمنين ,
وعَفا عَنّا وعَنْ جميعِ المُسلمين .
Leave A Comment