الطريـق إلى جنوب افريقيا
بقلم : يوسف ابداح .
كانت الساعةُ الثامنةُ والنصف من يوم الأربعاءِ الموافق غرّة ذي الحجّة لعام 1430 هـ , تُمثّلُ وقتاً هامّـاً
تابَعَهُ الكثيرون , لأنه سَيُحدّدُ التاهّلَ لكأسِ العالم في جنوب افريقيا , في المباراةِ التي ستجري بين مصـر
والجزائر على استاد المريخ في الخرطوم .
وفي الحقيقة …….. كنتُ متأرجحَ الهوى بين الفريقين , فكلاهما بالنسبةِ لي كالأسطوانةِ الواحدةِ لا
يُدْرى طَرفُها , وكانت النتيجة بالنسبة للمشاهدين والمتابعين للمباراةِ كالكرةالمُغلقة لا نجد لها مَدْخـَـــلاً .
مصر … أرضُ الكنانة .
مصر أرضُ الحضارةِ والتاريخ .
مصر أرضُ النيل , حيثُ الخير والعطاء .
إنها دِرعُ أُمتنا , وموئلُ أحرارِنا , ومرجعُ عُقلا ئِنا .
نُحبّها ….. نعشقُ ترابَها ….. نُحَيّي رِجالَها , ونُقدّرُ أبناءَها .
أرضُ الجزائر أرضي … وشعبها إخواني .
الجزائرُ موطنُ الأحرار والثوار .
أحمد بن بِّـلة , هَوّاري بُو مِدْيَنْ , حسين اَية أحمد , جميلة بوحريد ,رموزٌ ما زِلتُ أذكرُها في الخمسينات من القرن الماضي , يوم كنت أتابع بطولة المقاومة والتحرير .
رجالـُها شـُمّ العرانين , تُطاولُ عِزّتُهم وإباؤُهم قِممَ الجبالِ في وَهـْران . إنهم يأبون الضيمَ ويرفضون العار,
أليستْ الجزائرُ بلدَ المِليون شهيد ؟ وحسبُها فخراً بـِذلك .
قالوا : كُرة القدم , تنافُسٌ شريف .
قلنا : إذن , مرحى بهم .
قالوا : تُقبـَل ُ النتيجةُ فيها بِكُلّ ألوانِها بِروحٍ رياضيةٍ عالية .
قُلنا : هذا خير …… هذا ما نُريدُه .
قالوا : أعدّت الحكومةُ السودانية للأمنِ إعداداً كبيراً , اَخذةً الاحتياطات الأمنية اللازمة .
قلنا : بورك الجُهدُ وَسَلِمت الغاية .
….. وجرت المباراةُ على استاد المريخ الرياضي في الخرطوم التي استقبلت الفريقين لِجمع الصفـوفِ
وتخطّي التجاوزاتِ السابقةِ في لقاءِ الفريقين .
عِنْــدَها …… قلنا :
سَنُشجّعُ الطرفيــن .
سَنُصفّقُ للأهدافِ من كلا الفريقين .
سَنُهنيءُ الفائزَ من أعماقِ قلوبنا .
لا ضَيْرَ أنْ يُشَجّعَ كُلٌ فريقَه , ألم يقولوا : إنه مِنْ حُسْنِ الانتماءِ والوفاءِ للوطن ؟
إنّ المبالغةَ في انحياز وسائلِ الإعلامِ لقيسٍ أو يمن ,لِعَبْس أو ذُبيان, قد يُخرجُ المباراة عن رُوح التنافسِ
الشريف , لنعودَ ثانيةً إلى مُربع العصبيّةِ القبلية التي حذّرنا منها رسولنا الكريم ( دَعـُوها فإنها مُنْتِنة ) .
وكانت النتيجة على ما كانتْ عليه ………….. .
فازت الجزائرُ بهدفٍ يتيم …….. فقامت الُّدّنيا وما قعدتْ !
كُنّـا نعلمُ أنّ فريقاً منهما سيفـوز .
ولكننا ما توقعْنا أنّ كِلا الفريقين سيخسران .
نَعَـمْ …. خَسِرْنا وُدّاً حَفِظَتْهُ الجزائرُ لِمصرَ وشعبِها يومَ التحرير والاستقلال .
خسرْنا فرحةً صفّقتْ لها الجزائرُ يومَ العبور في العاشر من رمضان .
شعبان شقيقان , إنْ أحَسّ بالجُرْح في الجزائرِ واحدٌ , تلمّسَ الآخرُ جَنْبَه في أرض الكَنانة .
وتعودُ بي الذاكرةُ إلى بروتوكولات صُهيون التي رَسَمَتْ وخطّطتْ لِكرةِ القدم وأهدافِها …………. .
وها هي اليوم تُؤْتي أُكُلَها .
وأُتابعُ شريط الأخبارِ فأقرأ :
ــ جامعةُ الّدول العربية تدعو إلى ضَبْطِ النفسِ عقبَ التوتّر الذي صاحبَ وأعقبَ مباراةَ الجزائر ومصر
للتأهّل لكأس العالم .
ــ مصرُ تستدعي السفيرَ الجزائريّ في القاهرة .
ــ الجزائرُ تستدعي سفيرَها من القاهرة .
ــ وفاة أربعة عشر وجرح أربعة وخمسين ومائتا شخصٍ أثناءَ احتفالاتِ الجزائر للتأهّل بكأس العالم .
ــ اسرائيل تدعو مصرَ والجزائر إلى ضبط النفس !!!
ــ أربع عشرة طائرة اسرائيلية تَخْـرُقُ الأجواءَ اللبنانية !!!
عِنْدَها قُلْت :
أَيُعْقَلُ أنْ نـُمَزّقَ بِضَرْبةِ قـَدَم ؟
أما فينا رجلٌ رشيد ؟
أَيُعْـقَلُ أنْ يُسمِّيَ أحدُ الطرفين ما جرى من الطَّرفِ الآخر إرهاباً ؟
أَيُعْقَلُ أَنْ يُصبحَ استدعاءُ السفراءِ مُوضةً ومِزاج خاطِر ؟
ليتَ سُفَراءَنا يُسْتَدْعَوْنَ للنظر في قضايا أُمّتِنا المُلِحّة !
أم أنها من الهوانِ بحيث لا تسْتَحقّ الدعوة ؟
ليتني سمِعْتُ صوتاً واحداً يستنكِرُ اختراقَ الأجواءِ اللبنانيّة ! أم أنّ أَرضنا قد أَضْحتْ مُستباحةً ,
وأَجواءَنا قد أصبحتْ للعدو مفتوحةً ؟
قُلْتُ بـأسـىً :
انتظري يا قـدسُ معْذرةً …….. فلدَيْنا اليومَ ما يُشغِلُنا عنك !
أَجابتْ مآذنُها العتيقةُ وقد بُحَّ صَوتـُـها : وَمنْ قال أَني أَنْتـظِرُ خَيْلَكُم ؟
أَقِيموا وَلائِمَكُم .
ارفَعُوا راياتِــكُم .
صَفِّقوا لِهَدّافيكُم .
فَهُمُومي اليومَ زائدةٌ عنْ حاجَتِكُم .
واعْلَمُوا أَنّ الدّيوكَ الرُّوميّةَ لا تَعْرِفُ ما سَيَحِلّ بها يومَ الاحتِفالِ بالأعيـاد …. !
Leave A Comment