الشيخ القاضي :

 عبدالرحمن عبدالهادي  ابداح 

بقلم :  يوسف فايز ابداح  .

وُلد الشيخ عبدالرحمن عبدالهادي ابداح  عام  1880 م  في قرية المنسي المُطلّة على سهل مرج بني عامر ,  والواقعة على خط طول 35 شرقاً , والتي تبعدُ  حوالي 39 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا  .

أَرسله والده إلى الشيخ أَحمد شلبي , حيث تتلمذ على يديه لمدة عامين , تعلّم فيهما القراءَة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم  , ثم أَرسله والده إِلى بلدة  ( باقة ) ليدرس على  يد شيخها ( قاسم أَبو الذنين ) , فأَقام عنده أَربع سنواتٍ , تعلّم فيهما علوم القرآن  والفقه والرياضيات واللغة العربية ,  ثم أَرسله إِلى الشيخ ( سليم زيد الكيلاني ) ليدرس على يديه عاماً كاملاً , وقد رافقه  بعد انتقاله إِلى ( وادي المَيّة ) , فأَقام عنده عاماً آخر , ختم خلاله القرآن الكريم , وكان الشيخ سليم يُوقظه صباحاً لأذان الفجر   .

لم ينسَ الشيخ عبدالرحمن ذِكْرَ اليد البيضاء لشيخه  العلّامة عزّالدين النبهاني , الذي أَعطاه الكثير مِن فَيْض علمه في الفقه والعلوم الشرعيّة  .

..  ألقى الإنجليز القبض على الشيخ حسن المنصور ورفاقه الأربعة , لاشتراكهم وقيادتهم للثورة الفلسطينية في شمال فلسطين وهم :

الحاج حسن المنصور –  علي حسن المنصور  –  سعود موسى أحمد الموسى   –  عبدالرحمن عبدالله ابداح  –  سعد مرعي الجندي .

وبعد تسعة عشر يوماً , عاودوا إلقاءَ القبض على الشيخ عبدالرحمن عبدالهادي ابداح بحكم قرابته من الشيخ حسن المنصور  والمُعتقَلين , وتأييده للثورة وثوّارها , ونقلوه إلى سجن ( بيت قليم ) القريب من حيفا وعلى شاطيء البحر الأبيض المتوسط , والذي عُرف عنه المُبالغة في شدّة التعذيب لنزلائه حتى قالوا :

    ( اللّي  يروح  على  بيت  قليم , يشوف العذاب  الأليم  .  )

والتقى في السجن بالمحامي الفلسطيني ( صبحي بيك الخضرا ) حيث كان يًجاوره في زنزانته , ثم نُقل إلى المعسكر الإنجليزي ( قباب الفر ) , والذي كان يحتجز  ما يزيد على اثني عشر أَلف سجينٍ فلسطينيّ  ..

كان الشيخ عبدالرحمن عبدالهادي ابداح شيخاً من شيوخ عرب التركمان , ومختاراً  لعرب التركمان في كركور , كما كان قاضياً عشائرياَ في عشيرته , وفي قضايا إصلاح ذات البيْن ,

ثم أَصبح فيما بعد عُضواً في ثلاث لجان : اللجنة الإصلاحية , واللجنة القوميّة , ولجنة تنظيم القُرى  .

قَدِم إلى إمارة شرق الأردن عام  1940م  , يرافقه وفدٌ من وجهاء عرب التركمان , لمقابلة الأمير المؤسس ( عبدالله بن الحسين ) – طيّب الله ثراه – للنظر والتشاور في اختفاءِ الحاج حسن المنصور ورفاقه الأربعة , حيث زعمَ الإنجليز إطلاق سراحهم , وخروجهم من السجن , فالتقوا بالأمير في  ( وادي الريّان ) , حيث كان الأمير في ضيافة الشيخ  محمد الزيناتي , والذي أكرم وِفادتهم , وباتوا ليلتهم في صيوان خاصٍ أَعدّه لهم  , والتقوا بسموّ الأمير المؤسس عبدالله  صباح اليوم التالي , وعرضوا قضيتهم التي شاركهم الأمير همومهم ومعاناتهم فيها , وقد تناولت جريدة الشعب الأردنية هذا اللقاء , في عددها الصادر بتاريخ  19 / 7 /  1987 م , في مقابلة خاصةٍ  أَجرته معه  .

واصل  الشيخ عبدالرحمن عبدالهادي ابداح رحلته إلى لبنان للقاء  مفتي فلسطين الحاج أَمين الحسيني , والذي نُفي  إلى لبنان , وأَقام في مدينة ( عاليه  )  .

لقد أحدثت نكبة فلسطين عام 1948 م  مُنعطفاً جديداً في حياته وأبناءَ عشيرته وقبيلته , حيث هاجروا مضطرين إلى جنين بعد مقاومة غير متكافئة مع العدو , ثم جمع بين إقامته في جنين  ومخيم نورشمس , فقد اختاره مدير وكالة الغوث ( شحادة الدرزدار ) وأَبناء المخيم , النيابة عنهم وتمثيلهم في اللقاء مع الممثل الأمميّ ( مستر بلاك مور ) في مدينة القدس .

ومن المواقف المشهورة التي تواتر ذكرها عن الشيخ عبدالرحمن عبدالهادي ابداح ,  أَنّ ابنته ( البندري ) انتقلت إلى جوار ربها عصر ذات يوم , في وقتٍ فاجأَه فيه ضيوفٌ خيّالةٌ من وُجهاء آل  البُشناق  …

كان الموقف صعباً وحَرِجاً  , لكنه أَخفى وزوجته  نبأ الوفاة , واستقبل ضيوفه بوافر التحية وعظيم الترحاب , وقام بواجب الضيافة ,  وأمر  بإعلاف خيلهم  ..

واصل الضيوف سهرتهم , وناموا ليلتهم ,  لينصرفوا صباح اليوم التالي  .

وعندها ..سار موكب الجنازة لنقل الفتاة إلى مرقدها الأخير ,  انتشر الخبر بين الناس فصدّقوه , إِلا الضيوف آل بُشناق أَنكروه , لأنهم  كانوا في ضيافة الشيخ ,  ولم يُلاحظوا شيئاَ من ذلك  !

وعندما تأَكدوا من صحة الخبر قالوا :

إنهُ  لَصبرُ الأتقياء  !

إنَّ زوجته  لَهِي الخنساءُ الثانية  !

عاش رحمه الله وَرِعاً تقياً , عظيم الانتماءِ لدينه وأُمته ووطنه , واصلاً رحمه , مُكرماً جاره , مُصلحاً ذات البيْن , مُحباً للحقّ , مؤيّداّ للعدل أَينما وُجد , ومُحباً لعشيرته وقبيلته  …..

انتقل إلى جوار ربه  في الثاني عشر من  تشرين الثاني لعام  1993 م , ودُفن جثمانه الطاهر  في مقبرة الصحابي الجليل شرحبيل بن حسنة  في وادي الريّان .

رحمه الله وأموات المسلمين رحمة واسعة , وأَسكنهم فسيح جنّاته  .

بقلم :  يوسف فايز ابداح  .

20 / 1 / 2021 م