بُحيرة طبرية .

بقلم : يوسف ابداح

هي لؤلؤةٌ من لآليء أرض فلسطين ،
تُطلّ عليها من الشرق مرتفعات الجولان
السورية ، وسفوح أم قيس الأردنية ،
وتحتضنها مدينة طبرية والقرى الفلسطينية من الغرب .
وهي جزء من مجرى نهر الأردن ، وسُميت بهذا
الإسم ، نسبة إلى اسم الامبراطور الروماني
( تايبريوس ) .
تبلغ مساحتها ١٥٠كم٢ ، وطولها ٢١ كم ،
وأوسع عَرضٍ لها نحو ١٢ كم .
وقد سُميت أيضاً بحيرة ( الجرجاشيين ) نسبة
إلى القبيلة الكنعانية التي سكنت هذه الديار
في فجر تاريخها ..
ونظراً لجمال هذه البُحيرة ، واعتدال طقسها،
فقد كان أبو الطيب المتنبي ينزل فيها ضيفاً
على حاكمها :
الحسن بن بدر بن عمار بن اسماعيل الأسديّ
قال المتنبي في قصيدته التي مدح فيها
الحسين بن إسحق التنوخيّ ، والتي بلغتْ
اثنين وأربعين بيتاً :
لولاك لم أترك البحيرة
والغَوْرُ دفيءٌ وماؤُها شَبِمُ

والموجُ مثل الفُحولِ مُزبدةً
تَهْدُرُ فيها وما بها فَطِمُ

والطير فوق الحُبابِ تحسبها
فُرسانَ بُلْقٍ تخونُها اللُّجَمُ

كأنها والرياحُ تضربها
جيشا وغىً هازمٌ ومُنهزِمُ

كأنها في نهارها قمرٌ
حَفَّ به مِنْ جِنانِها ظُلَمُ

تغنّت الطيرُ في جوانبها
وجادت الأرض حولها الدِّيَمُ

فهي كماويةٍ مُطوّقَةٍ
جُرّدَ عنها غشاؤُها الأدمُ

يَشينُها جَرْيُها إلى بلدٍ
تَشينُهُ الأدعياءُ والقزَمُ

شرح البيتين الأخيرين :
الدّيَم : مفردها دِيمة وهي السحابة الممطرة .
ماوية : مرآة
الأدم : الجِلد
يشينها : يعيبها
يشبه الشاعر بحيرة طبرية في البيتين الأخيرين
بمرآةٍ مُطوّقةٍ بإطارها ، وقد نُزِعَ عنها ما
يغطيها من غشاء ، فبدا ماؤُها كزجاجٍ شفّافٍ
نقيّ صقيل .
قالت العرب في أمثالها :
( لا تعدم الحسناءُ ذاماً ! )
ولعل الذام الذي رآه المتنبي في طبرية ليس
في أصل تكوينها ، ولكنه طاريءٌ عليها
ودخيل ، نجده في البيت الأخير :
إن ما يعيبها ، هو أنْ يخرج منها ماؤُها ،
وينحدر جنوباً ليروي أرضاً يقطنها أدعياءُ
في أحسابهم ، هُجَناءُ في أنسابهم ،
ليسوا كِراماً ، بل أراذل وأقزاماً لِئاماً .

( وأظنه يعني الروم الذين كانوا يحتلون
المنطقة ويحكمونها . )
نعم ….
إنها بحيرة طبرية ، التي ارتوت جوانبها
بدماء شهدائنا الأبرار في معركة حطين
بقيادة صلاح الدين الأيوبي …
فأصبحنا نرقبها اليوم بغصّةٍ ومرارة ،
ولسان حالنا يقول :
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ
خرقاءَ تنفرُ من صفير الصافرِ !
وقعت طبرية تحت الاحتلال الإسرائيلي
عام ١٩٤٨م ، بعد أن قاوم أهلها بشجاعة
وبسالة في حربٍ غير متكافئة ، وحرص
العدو المُدعم من القوات البريطانية على
السيطرة على المنطقة لخصوبة أرضها. ،
ووفرة مائها ، بالإضافة إلى موقعها
الاسترتيجي الآنيّ والمستقبليّ . مما يقربها
من حدود ثلاث دولٍ عربية مجاورة .

معذرة بحيرتنا الجميلة !
لن تمتزج دموعنا بمياهك الصافية النقية …
فرائحة ثراكِ المُخضّب بدماء شهدائنا الزكيّة ،
ستظلّ الحلم المُدجّج بأمل العودة القريبة ،
– إنْ شاء الله – .
وعندها …
ستكتحل عيوننا وتتجمّل من ترابك الطاهر ،
الذي ما فقدنا الحب له ، والوفاء إليه ،
والتضحية في سبيله !

المراجع :
١- الموسوعة الفلسطينية .
٢- مجلة صوت فلسطين .