لغتنا الجميلة

بقلم : يوسف ابداح 

لم يشهد التاريخُ لُغةً ذاعَ صيتُها ,  وانتشر سوادُ الناطقين بها كما شَهِدَ للغةِ العربيّة , أخذت ببيانها الألبـاب ,

وَبَهَرَتْ بِفصاحتها العقول ,  فكانت سلاحَ العربِ في كلّ مُنافرةٍ وإظهارِ حُجّة ,  يسّرتْ على الناطقين بهــــــا

والعارفين لِتصاريفِها واشتِقاقاتِها حُسْنَ التعبيرِ عمّا يُخالِجُ نفوسَهم من اَلامٍ واَمال ,  فأضحتْ تُرْجُماناً صادقاً

لإظهار أفراحِهم وأحْزانِهم على حدٍ سواء   .

لقد كانت اللغةُ العربيةُ بفصاحتِها مُعجزةَ الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم  . (وإنْ كنتم في ريبٍ مِمّا نزّلْنا علــى

عَبْدِنا فأتوا بِسورةٍ مِنْ مِثلِه ,  وادعوا شُهَداءكم مِن دونِ اللهِ إنْ كُنتُم صادِقين ,  فإنْ لم تفعلوا ولنْ تفْعَلــــوا ,

فاتّقوا النارَ التي وَقُودُها الناسُ والحِجارةُ أُعِدتْ للكافرين . )

وحسبُ لُغتنا العربية أنّ اللهَ كرّمها على غيرِها مِن الُلغات فجَعَلَها لُغةَ القراَن الكريم ( إنّا  أنزلناهُ قراَناً عربيـاً)

والذي كان منهجاً ودُستوراً للمسلمين في كُلّ زمانٍ ومكان , فقد جعلهم أهلاً لِحملِ الأمانةِ وأداءِ الرسـالـــــــة

وتبليغِها للناسِ كافّة .

( كُنتُم خيرَ أمّةٍ أُخرِجَتْ للناس تأمُرونَ بالمعروفِ وتَنْهَوْنَ عن المُنْكَر . )

أجابَ المُستشرقُ الفرنسيُ المسلم ُ أمين عبدالكريم باربو ــ مديرُ معهدِ الدراساتِ العربيةِ والإسلاميةِ بجامعـةِ

ستراسبورغ ــ  عنْ سُؤالٍ حولَ الأسبابِ التي دفعَتْهُ إلى تعَلُمِ اللغةِ العربية وإتقانهِا فقال :

( لقد قال طه حسين عندما تعلّم اللغةَ الفرنسيةّ إلى جانبِ اللغةِ العربية : كُنْتُ أرى بعينٍ واحدةٍ فأصبحْتُ  أرى

بِعينين ,  أمّا أنا فأقول:  لقد تعلمْتُ إلى جانبِ اللغةِ الفرنسيةِ  عِدّةَ لُغاتٍ مُنذُ الصّغر , ولكنني عندما تعلّـمتُ

اللغةَ العربيةَ اكتشفْتُ أنني كُنتُ أرى بعينٍ واحدة ,  فَصِرْتُ أرى بِعُيونِ الكونِ كُلّه . )

إنها لغة غنيّة ليست لماضٍ  متألّقٍ فحسب , وإنما لمستقبل العالم بأسره شرقاً وغرباً ,  فهي لغة فكرٍ وروحٍ

وحضارةٍ أفضل للبشريةِ جمعاء   .

لقد استوعبتْ لغتُنا العربيةُ  جميعَ المفاهيمِ الحضاريةِ في عَصرِها , بل إنّ اللغاتِ الأخرى لم تستطع مجاراتها

وأبدتْ عجزَها وتراجُعَها ,  فأدّت اللغةُ العربيةُ دورَها  دُون مَلَلٍ أو إظهار عَجْزٍ وتقصير  .

إنّ اللغةَ العربيةَ تُمثّلُ رباطاً قوياً يجمع بين العربِ والمسلمين , فتجعلُ منهم بنياناً مرصوصاً يشدّ  بعضُـــــــهُ

بعضاً ,  فكان ذلك سبباً مِن أسبابِ الحملةِ المُعاديةِ لها ,  فتارةً تُتهمُ بالهَرَمِ والشيْخُوخةِ , وتارةٍ تُتّهــــــــمُ

بالصعوبةِ والتعقيد ,  فهذا يدعو لكتابتها باللهجةِ العاميّة ,  وذاك يقترِحُ حَذفَ أبوابٍ مِن نحوها , والنيّــــــةُ

الخبيثةُ للطرفين لا تخفى على عاقل , فهم يرمُون  إلى هدمِ ِ وحدَةِ اللغةِ العربيةِ والدينِ لهذهِ الأمّة , لإبعــــادِ

المسلمين عن فَهْمِ قُراَنِهِم ومنْهَجِ حياتِهِم  .

رَحِمَ اللهُ شاعرَ النيلِ حافظ إبراهيم حين قالَ مُدافِعاً عنها ومُتحدّياً بِلِسانِها  :

رَجَعْتُ لِنَفْسي  فاتّهمْتُ حَصاتــِـــــــي    : وناديْتُ قومي فاحتَسَبْتُ حَياتــِــــــي

رَمَوْني بِعُقمٍ في الشبابِ وَليتَنـِــــــــي     : عَقُمْتُ فلمْ أجزعْ لِقوْلِ عِداتـِـِــــــي

وَلَدْتُ   ولمّا لَمْ  أَجِدْ لِعَرائِســــــــــي    : رِجالاً وأَكـْــفاءً   وَأَدْ تُ بَناتـــــــي

وَسِعْتُ كتابَ اللهِ لفظاً وغايــــــــــــــةً     : وما ضِقْتُ عَنْ اَيٍ بهِ وَعِظــــــــاتِ

فكيفَ أضيقُ اليومَ عنْ وَصْـفِ  اَلـــــةٍ : وتنْسيقِ أسماءٍ  لِمُختَرَعـــــــــــــاتِ

أنا البحرُ في أحشائهِ الدُرّ كَامِــــــــــنٌ     : فَهَلْ ساءلوا الغوّاصَ عنْ صَدَفاتـي ؟

إنّ إيمانَنا العميقَ بِعَقيدَتِنا , وانتماءَنا الصادقَ لأمتِننا , يُوجبان علينا الاهتمامَ بِلغتنا , نتعلّمُها ونَجِدُّ في طلبِها,

ونسألُ عن الخافي مِنْ معاني مُفرداتِها , ونحْرصُ على الحديثِ بالفُصحى والابتعادِ عن العاميّةِ , عندها …….

نكونُ أقوياءَ بدينِنا ثُم بِلُغَتِنا  , وعِنْدَ ذلكَ , نكونُ خيرَ أمّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ بِصِدْقٍ وَجَدارة ٍ  .