قراءة تحليلية لقصيدة:

(لحظات انتظار )

للشاعر: ناصر بن عليثه المحياوي الجهني

بقلم :  يوسف ابداح  .


إن لحظات الوفاء ، سمة بارزة في
مواقف الرجال ، فقد كان العرب
يتسابقون إليها ، ويفاخرون بها ،
بل أن وفاءَهم العظيم للأصدقاء
ومن يعشقون ، جعلهم يتغاضَوْن
عن الكثير من الزلّات ، ويضعون المبررات لمن ملكهم القلب ، وهامت بحبهم الروح وتعلّق بهم العقل والوجدان ..
لقد جذّر شاعرنا ناصر الجهني هذا
الوفاء في أبهى صوره وأجلّ معانيه ، رغم بعد الحبيب وطول غيابه ، وكأن معشوقته ظبية جميلة قد سلكت الفيافي الواسعة
فأعوزت صيادها أن يشدّ مئزرهُ بحثاً عنها ، شوقاً لها ، وحرصاً على
سلامتها ….
كم من مهاة مرّ بها !
وكم من ظباء عرفها !
ولكن ظبيته المفقودة كانت الأجمل ، وكانت بغيته ومراده الأول….
لقد طال انتظار الشاعر ، ولم
ينفذ صبره كما نفذ صبر القائل:
صبرنا صبر أيوب ولكن
بلا جدوى ، فقد طفح الجِرابُ .
انتظار طويل…فهو صبٌّ بها ،
يحمل لها من الأسرار ما لا يمكن
البَوْح بها !
لقد عبّر الشاعر عن تعلّقه بها ،مستعملاً أسلوب التصريح مرة ،
والكناية مرة أخرى ، فيقول :
إنه سينتظرها لو مات الانتظار !
مشبهاً الانتظار بالإنسان .
ويشير إلى خوفه وقلقه على ظبيته
فيقول :
إلى أين سأتجه إن ضاقت الدنيا
في وجهي ؟
وهو يعبّر في هذا التساؤل على
أنها سرّ رغده وسعادته ، وأن الحياة بدونها لا لون ولا طعم لها .
كان الشاعر متردداً بين البوح لها
بصدق عواطفه ومشاعره لها وبين الصمت،
ولكنه آثر الصمت حتى لا يجرح
مشاعرها ، أو أنه لا يريد البوح
بتلك الأسرار على بساط الآخرين.
استعمل الشاعر أسلوب خطاب
الحاضر للغائب فيقول :
هل تدركين؟
ترفضين.
علّميني .
فهمّيني.
فهي بعيدة عنه مكاناً ، قريبة منه
مكانة ….
لقد. خشي الشاعر أن طول البُعد
والانتظار ، سيضعف جذوة الوله
والحب الذي يحمله في قلبه وبين
ضلوعه لظبيته الجميلة ، فهو
يخشى ذبول الورد ، وتساقط
أوراق الربيع!
ويُطمئن الشاعر ناصر الجهني
ظبيته الغائبة الحاضرة فيقول:
إن قلبه لم يعرف الجفاف …
وسيبقى رطباً مُفعماً بأمل اللقاء
رغم الدموع والجراح ، فهو لا
يهوى سواها ولا يريد غيرها .
لقد أبدع الشاعر ناصر الجهني
في نقل معاناته وطول انتظاره ،
فجعلنا نعيش معه تلك الهموم ، ونرقب بصحبته روعة اللقاء مع
ظبيته الجميلة ، بأسلوبه الجميل،
ومفرداته الواضحة في معانيها الغزيرة ، ومدلولاتها الواسعة .